01012013
السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته
الحمدلله
قَالَ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ : بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ
يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ
الدُّنْيَا . رواه مسلم
( بادروا بالأعمال ) وبادروا : يعني أسرعوا
إليها ؛ والمراد الأعمال الصالحة ؛ والعمل الصالح ما بني على أمرين :
الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله ﷺ ، وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا
الله ،وأن محمد رسول الله ، فالعمل الذي ليس بخالص ليس بصالح ، لو قام
الإنسان يصلي ؛ ولكنه يرائي الناس بصلاته ، فإن عمله لا يقبل ؛ حتى لو أتى
بشروط الصلاة ، وأركانها ، وواجباتها ، وسننها ، وطمأنينتها ، وأصلحها
إصلاحاً تاماً في الظاهر ، لكنها لا تقبل منه ، لأنها خالطها الشرك ، والذي
يشرك بالله معه غيره لا يقبل الله عمله ، كما في الحديث الصحيح ؛ عن أبي
هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ﷺ قال : ( قال الله تعالى : أنا أغنى
الشركاء عن الشرك ) يعني إذا أحد شاركني ؛ فأنا غني عن شركه ، ( من عمل
عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )(1) . كذلك أيضاً : لو أن الإنسان
أخلص في عمله ، لكنه أتى ببدعة ما شرعها الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فإن
عمله لا يقبل حتى لو كان مخلصاً ، حتى لو كان يبكي من الخشوع ، فإنه لا
ينفعه ذلك ؛ لأن البدعة وصفها النبي ﷺ بأنها ضلالة ، فقال فإن كل محدثة
بدعة ، وكل بدعة ضلالة )(2) .
ثم قال : ( فتناً كقطع الليل المظلم )
أخبر أنه ستوجد فتن كقطع الليل المظلم ـ نعوذ بالله ـ يعني أنها مدلهمة
مظلمة ؛ لا يرى فيها النور والعياذ بالله ، ولا يدري الإنسان أين يذهب ؛
يكون حائراً ، ما يدري أين المخرج ، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن .
والفتن
منها ما يكون من الشبهات ، ومنها ما يكون من الشهوات ، ففتن الشبهات : كل
فتنة مبنية على الجهل ، ومن ذلك ما حصل من أهل البدع الذين ابتدعوا في
عقائدهم ما ليس من شريعة الله ، أو أهل البدع الذين ابتدعوا في أقوالهم
وأفعالهم ما ليس من شريعة الله ، فإن الإنسان قد يفتن ـ والعياذ بالله ـ
فيضل عن الحق بسبب الشبهة .
ومن ذلك أيضاً : ما يحصل في المعاملات
من الأمور المشتبهة التي هي واضحة في قلب الموقن ، مشتبهة في قلب الضال
والعياذ بالله ، تجده يتعامل معاملة تبين أنها محرمة ، لكن لما على قلبه من
رين الذنوب ـ نسأل الله العافية ـ يشتبه عليه الأمر ، فيزين له سوء عمله ،
ويظنه حسناً ، وقد قال الله في هؤلاء : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )
( الكهف: 103،104 )، فهؤلاء هم الأخسرون والعياذ بالله .
وتكون
الفتن ـ أيضاً ـ من الشهوات ، بمعنى أن الإنسان يعرف أن هذا حرام ، ولكن
لأن نفسه تدعوه إليه فلا يبالي النبي صلي الله عليه وسلم بل يفعل الحرام ،
ويعلم أن هذا واجب ، لكن نفسه تدعوه للكسل فيترك هذا الواجب ، هذه فتنة
شهوة ، يعني فتنة إرادة ، ومن ذلك أيضاً ـ بل من أعظم ما يكون ـ فتنة شهوة
الزنا أو اللواط والعياذ بالله ، وهذه من أضر ما يكون على هذه الأمة، قال
النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
)(3) وقال : ( اتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء
)(4) ، ولدينا الآن ـ وفي مجتمعنا ـ من يدعو إلى هذه الرذيلة ـ والعياذ
بالله ـ بأساليب ملتوية ، يلتوون فيها بأسماء لا تمت إلى ما يقولون بصلة ،
لكنها وسيلة إلى ما يريدون ؛ من تهتك لستر المرأة ، وخروجها من بيتها
لتشارك الرجل في أعماله ، ويحصل بذلك الشر والبلاء ، ولكن نسأل الله أن
يجعل كيدهم في نحورهم ، وأن يسلط حكامنا عليهم ؛ بإبعادهم عن كل ما يكون
سبباً للشر والفساد في هذه البلاد ، ونسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفق
لحكامنا بطانة صالحة ؛ تدلهم على الخير ، وتحثهم عليه .
إن فتنة
بني إسرائيل كانت في النساء ، وهي أعظم فتنة ، وهناك أناس الآن يحيكون كل
حياكة من أجل أن يهدروا كرامة المرأة ، من أجل أن يجعلوها كالصورة ، كالدمى
، مجرد شهوة وزهرة يتمتع بها الفساق والسفلاء من الناس ، ينظرون إلى وجهها
كل حين وكل ساعة والعياذ بالله ، ولكن ـ بحول الله ـ أن دعاء المسلمين سوف
يحيط بهم ، وسوف يكبتهم ويردهم على أعقابهم خائبين ، وسوف تكون المرأة
السعودية ـ بل المرأة في كل مكان من بلاد الإسلام ـ محترمة مصونة ، حيث
وضعها الله عز وجل .
المهم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ
حذرنا من هذه الفتن التي هي كقطع الليل المظلم ، يصبح الإنسان مؤمناً ويمسي
كافراً ، والعياذ بالله . يوم واحد يرتد عن الإسلام ، يخرج من الدين ،
ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً . نسأل الله العافية . لماذا ؟ ( يبيع دينه بعرض
من الدنيا ) ولا تظن أن العرض من الدنيا هو المال ، كل متاع الدنيا عرض،
سواء مال ، أو جاه أو رئاسة ، أو نساء ، أو غير ذلك، كل ما في الدنيا من
متاع فإنه عرض ، كما قال تعالى : ( تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) ( النساء: 94 ) فما في
الدنيا كله عرض .
فهؤلاء الذين يصبحون مؤمنين ويمسون كفاراً ، أو
يمسون مؤمنين ويصبحون كفاراً ، كلهم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا ، نسأل
الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن . واستعيذوا دائماً يا أخواني من الفتن ،
وما أعظم ما أمرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام ، حيث قال : ( إذا تشهد
أحدكم ـ يعني التشهد الأخير ـ فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني
أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر
فتنة المسيح الدجال )(5) نسأل الله أن يثيبنا وإياكم بالقول الثابت في
الحياة الدنيا وفي الآخرة .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
شرح رياض الصالحين » المجلد الثاني »باب المبادرة إلى الخيرات
__________________________________________
(1) أخرجه مسلم ، كتاب الزهد ، باب من أشرك في عمله غير الله ، رقم (2985) .
(2)
أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة ،رقم (4607) والترمذي ،
كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع ، رقم ( 2676) ،
وابن ماجه في المقدمة ، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، رقم
(42) ، وأحمد في المسند (4/126 ، 127) . وقال الترمذي :حسن صحيح .
(3)
أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب ما يتقي من شؤم المرأة ، رقم (5096) ،
ومسلم ، كتاب الرقاق ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء ،
رقم ( 2740) .
(4) أخرجه مسلم ، كتاب الرقاق ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء رقم (2742) .
(5) أخرجه مسلم بهذا اللفظ ، كتاب المساجد ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ، رقم (588) .
والله أعلم
تعاليق
لا يوجد حالياً أي تعليق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى