منتديات ماي اصحاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

hicham95
hicham95
عضو متألق
عضو متألق
الجنس : ذكر مشاركات : 554
http://www.twitte.comhttps://www.facebook.com/samhameed167
26102012

الحلم الذي رسم على الباب

سمير عبد الرحيم أغا






عبر الطريق الترابي الضيق الذي يمتد حتى بداية القرية ، حيث تمتد رائحة الحقول ، و الطيور تحلق عبر الفضاء المعلق فوق أعالي الشجر ، وقفت أم إبراهيم تنظر ، تفكر .. لعلها ترى أحدا من العمال الذين تأخروا ، لم تقل شيئا ، رغم أن ذلك شيء موجع كأنه حاضر بين عينيها ، كيف تتفاهم معهم ؟ أـصبح لا بد من عمل شىء ، تلتفت حولها قبل أن تدوس قدماها الحافيتين على الأرض الرخوة ، أشجار الحور العالية تحيط بالحقل من كل جانب ، وفي مقدمة الحقل ترتفع أشجار السدر ، لتسد مدخل وباب الحقل من شمال القرية ، حيث تتألق قمة السهل الكبير بحلقات صغيرة وكبيرة ،يحركها برد خفيف وتأوه أجراس خريفية .
وقفت للمرة الأولى فوق الرابية تنظر إلى وحشة الطريق وقد غمره الضياء ، الطرق كلها تلتوي ' وسرعان ما تختفي في القرية ثم تعود لتظهر عند نهايتها البعيد ة في الشارع العام ،
هيا يا أمي لقد تأخرنا ، قال إبراهيم بمزيد من الألم
نفضت إلام ثوبها الأزرق السميك جيدا .. كررت قولها لإبراهيم
لا شك أنهم سيحضرون ......
امتدت يد إلام تتحسس السنابل الساكنة بيد جافة خشنة , عرفتها أعداد لا حصر لها من الأخاديد والجروح المندملة , ارتفعت يدها الأخرى بمنجل تحصد السنابل حزمة .. حزمة رفعت رأسها وقالت بعد أن طرحت على كتفيها شالا
انك لا تعرف هؤلاء جيدا ، أنهم يعملون حيث ما تكون النقود .
لم تنظر إلام إلى ابنها وهي تجمع حزمة السنابل بظاهر المنجل مما علق بها من تراب
لا تلومهم يا ولدي .. لقد أصبح أولادنا ماديين ..
ترك الصبي بعض العيدان التي كان يقطعها وأنتفض . لقد اتفقت معهم منذ يومين , اتفقنا على كل شيء , وأولها الإتعاب , انظري لقد مضى على الوقت أكثر من نصف ساعة , لا شك أنهم يعملون في مزرعة أخرى . ابتسمت إلام وهي تنظر إليه
أنت تردد كلمات محفوظة يا ولدي .... ما ذنبك ؟
ولكن يا أمي أنا أحاول مساعدتك .
تحاول .... وأبوك .. أين هو الآن ؟ عين على السفر وعين على المال . ليعمل حيث أراد .. لو بقي أباك هنا لما احتجنا لأحد ,
سنعمل وحدنا لا نريد مساعدة .
تدفق الدم متألما بوجه إلام , هم الابن ترضيتها قبل أن تفتح فمها ، بصوت خافت قال :
ما ذنب أبي في هذا , كلما غضبت تقولين أباك .. أباك , دعيه لشأنه . انتصب الصبي واقفا متأملا أمه وقد حاول جاهدا أن يهدا عاصفة الغيظ التي أصابت أمه . احتضنته وقبلته ونزل خيط من الدموع على عينيها ، تتمتم من بين شفتيه بكلمات مبهمة وسرعان ما عاد إلى منجله الذي رماه على الأرض .
إيقاع الأيام رتيب , حركة الليل والنهار تلوح بإشارات بطيئة , والصمت يرمي بثقله على إلام والابن ... ماذا يريد الإنسان لكي يعيش ؟ دون إن يبدوا عليه أية حركة أو صوت ، ما جدوى إن تقول شيئا ؟ ربما انتقلوا إلى قرية أخرى ... كله عمل ، أصبح السفر حقيقة , المهاجرون خارج البلد في تزايد , وهم ينامون على أحلام تذوب من أول لمسة ، ، هل يتصور أحد أن الذين يعيشون هنا ... أرملة وأبنها الوحيد، نسب القرويون إليها صفة أرملة ، قدرة لا تخلو من مبالغة الريفي حين يرى غياب الزوج أكثر من أربع سنوات
في الطريق أطل فلاح يقود بقرتين ويضع شيئا فوق رأسه وصوته يتردد .. شجيا
ميحانة ... ميحانه , غابت شمسنه الحلو ما جانه
تنهد إبراهيم , انتبه إلى صوت الغناء , ثم قال لأمه
ليس هو الغد ألذي رسمناه على الباب , النهاية مكان البداية ،
بدأ الصبي يمشي بين السنابل الصغيرة مسافة قدمين أو أكثر , لم يكن من السهل معرفة أي منهم أكثر حصادا , كانا يخلطان أكوامهما في بعض الأحيان . كثرت حبات العرق , ، يتفقد كل واحد منهم الآخر .تجمعت قطرات العرق بين الأخاديد قطرة... قطرة مما ساعد على التصاق قطع القش الصغيرة ممزوجة بالتراب ، وقف الصبي فجأة ثم رفع ظهره ببطء وراح ينقل نظره عبر الأكوام الصغيرة المتزايدة هنا وهناك , وفي رأسه حيرة , تثقل برأسه لكنه لم يحسب إن يخلو لهذه الحيرة ، سكت فكان سكوته صدى . كم إنسان أحترق بطموحه ؟ لا شك إن أمي قد عملت كثيرا هذا اليوم , والحصاد لم يزل في أوله , نحتاج إلى أيام , نحتاج إلى أيادي أكثر ، عند الطرف القصي جلست ، بالضبط في مواجهة ولدها .. لو كان أبوه حاضرا ورأى هذا المجد الذي بنته .
لو كان أبوك موجودا لما حدث هذا ؟ رد الابن
لن يعود أبي أبدا ..
لم ترد أمه ولم يعد يراها ، كأن ذلك هو المدخل الوحيد الذي شوي قلبه بالألم ، وها هي اليوم معه ليس لها من أمل كأنها أرملة , نحن سنهرب من زمن لم نهيئ له بعد ، نظر الصبي إلى أمه فوجدها تجفف بأردافها ... قطرات العرق التي تجمعت فوق جبينها , يقف يستدير ناحية الغرب يقيس ظله ، كي يحسب كم بقي من الوقت على مجيء الليل ، لقد تعبت أمي كثيرا , منذ سافر أبي إلى الأردن , وأنا لم اعد مكتمل الرجولة ، كانت تطل من عينيه نظرة مستكينة ، عارضت أبي بكل الطرق , ولكن الأب كسر معارضة إلام وطار بأحلامه التي رسمها في خياله ,وصل الولد بتفكيره منقسما بين أبيه وأمه متفرجا , ليشعر بغصة في حلقه , أحس بالتعب أكثر من أي وقت مضى , التفت إلى أمه قائلا
تعبت يا أمي , حقول الفلاحين متعبة في كل شيء , نظرت إلام إلى ولدها , ترددت قليلا ثم قالت
دعنا من كل هذا .. لنكمل عملنا قبل المغيب
هز الولد رأسه وهو يقول :
لا بأس . ولكن لا تتعبي نفسك . من الأفضل أن نعمل متقاربين , تمتم في سره , أنها شجاعة .. أبوه قال له عند سفره : سأبعث لك بالمال كل شهر , حال ما احصل على عمل هناك , هذا هو الواقع يا ولدي ،كأنه الطرف الثالث في هذه المعادلة ، جعلته يستمر في القبول بدافع الحب لأبيه ، عشرات مثله سافروا إلى الأردن وعشرات يأتون ,كل منهم يحكي لنفسه ما شاهده ، ويرتب الكلمات في ذهنه وعلى طرف لسانه ، كي يحكيها لأول فرد يقابله .يحكي ما تفعله الأيام بالناس ،
ولكن أخاف إن يأتي يوم تموت السنابل , ستبخل علينا بكل خير , إنا أحبها أكثر من المدينة التي تسرق الأب والابن , لا ينكر إن المبالغ التي أرسلها أبوه قد ساعدته في مصاريف أخوته الصغار فقط .ولكن أمه تفضل لو كان أبوه معهم , تفكر كل يوم انه .. سيعود , يسير في الطريق متمهلا في سيره وسط الحقول ، في هذه القرية، قالها مترددا كأنما يستعجل مغادرة الكلام وإنهاء الموقف , انفعال حقيقي , كانفعال البشر العاديين , كلما اندمج في الحقل مع أمه , أحس بنفسه ,طائرا يحمل رسالة بدلا منها ،أحس انه ينجذب إلى مكانه ليصبح أقرب إلى صورة أبيه , هذا ما خيل له .. قال لها وهما يتشاوران عن المنطقة التي يجب أن يبدأ الحصاد فيها . أنظري يا أمي إلى هذه السنابل ,, أنها تشبه الذهب .......؟لا يحسن إن نتركها
بكت أمه عندما قال لها ذلك مع أنها قليلا ما تبكي , كم من مرة منعته من الجري فوق السنابل الصفراء اللامعة , حتى لا تتكسر , دموع إلام كواكب تضيء . غاب لسانها عن الكلام عواء الكلاب يصل تباعا من أطراف السهل الغربي , , بدأ يستعيد شتات أفكاره المبعثرة , ويخطوا أولى خطواته , بعيدا عنهم أتخذ طريقه وسط الحقول تنفس بعمق كأنه يقرأ معاني جديدة وأنه يقرأ لغة الأوراق المحيطة به .
مُشاطرة هذه المقالة على:reddit

تعاليق

Mr.M!DOoo
السبت ديسمبر 22, 2012 9:16 amMr.M!DOoo
شكرا أــخ هشـام

على موضوعـ ك المميز و بأنتظار جديدك

و تقبل مروري

الحلم الذي رسم على الباب 884513
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى