26102012
فضاء المرسم المهجور
ناصر الريماوي
فضاء المرسم المهجور أورام مجوفة تمضغ الفراغ، أطياف منقوصة تمتطي عربات الوقت في غياب تدريجي، مملة لعبة الفراغ في استنطاق الصور حين نعتاد على نبرة الصوت المكهربة عبر وسائل الإتصال، اعتاد غيابكِ إلا عن هذا المكان، فكيف انتزعتِ حضوركِ منه... في استخفاف؟
الخادمة الأسيوية حين تمنحني مفتاح المرسم ، تروق لي للمرة الأولى، اعذريني فلم اكن اطيق حضورها البليد، ملصقات صغيرة وحديثة، ارشادية واخرى تحذيرية، دعابات لاتنتهي، "اتبع السهم يا عزيزي" أقفز على سكون المرسم ورائحة الهواء الثقيلة، للمرة الاولى أجول فيه بمفردي، موضب حد الفزع لوحاتك الأخيرة مسلوبة الالوان لا اميز سوى ترتيبها المفزع "الستاند" فارغ و"باليتة" الالوان على الرف الملحق ببقع جفت منذ زمن، "مراييل" الرسم والقمصان الفضفاضة نظيفة معلقة في خزانة الجدار، الحمقاء تلك الخادمة لم تدرك بأنها تخلصت من عطر الرائحة العضوية للبدن الانثوي حين غسلتها... بلهاء. "اتبع السهم يا عزيزي..." لقم محرك الاقراص المدمجة، اقراص عديدة مصففة بعناية، "ياني" "طارق الناصر" "خوليو" "فيروز"... أختار "حلم رم" لطارق الناصر في هذا الإستحضار الغامض والحزين، المنفضة الصغيرة ذات القاع الضحل، لا تتسع لأكثر من عقب سيجارة، "أشعل سيجارة يا عزيزي..." تحت اللافتة المضحكة..."التدخين يضر بصفاء بشرتك ولون عينيك وبياض أسنانك..."، على هذه الطاولة المجروحة بأسلاك التغذية الكهربائية كُنتِ تظهرين نصوصك على "الفيسبوك" بلا شك لأشهر خلت، بقي المكان بينما رحلت أصابع التدوين بعطر الذكريات الإلكترونية إلى غير رجعة، على الرف الآخر كتب عديدة لم المحها بهذا الترتيب من قبل، ترتيبها ممل و مفزع في آن معاً، "آلام فارتر" و "عشاق فينيسيا"... "عمال البحر"، وتحت ظلال الزيزفون...، البوم الصور المشاع، حين أرتد للمقعد المعتاد يطالعني على جدارية حزينة، للمرة الاولى لا تهاجمني آلاف الاسئلة، ولا تغسلني ثرثراتكِ الجميلة من درن الصمت برغبتي في التأمل، لكنها تخنقني هذه المرة...الغصة تنمو كاشجار الصبار في حلق المكان تعلوها اللافتات وهي تشير "أتبع السهم يا عزيزي..."، إلى مغلف أصم، استخرج منه رسالة خطية تحضني على البقاء لأطول فترة ممكنة، تحكي عن تبادل مؤقت لأدوار ساذجة لكنها عميقة، ما الذي يعنيه أن تطيل الإنتظار، وان تتوقع في انتظارك العبثي قدوم شخص لن يأتي؟ "إتبع السهم يا عزيزي..." علبة مغلفة بأوراق الهدايا...هي لكْ، أنزعُ من حولها الغطاء...، ولا اقوى على فضّها، هداياي على حالها، لم تزل مغلفة، قالت لي يوماً بأنها اثمن من أن تُستهلكْ في تجميل وجه يقبع في العزلة...، هي ليستْ لكَ الآن، لا تمسّها، فقط إتبع السهم ياعزيزي...، امضي وانا أمقت الأدوار في تبادل
مجحف لكل شيء وللنبرة المكهربة لأصواتنا المموجة عبر اسلاك الهاتف الثابت... والنقال... وأجواء الأثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• من نصوص " حكايا السّهر"
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
على موضوعـ ك المميز و بأنتظار جديدك
و تقبل مروري