26102012
الرسالة الثالثة
بولس آدم
لم يكن ما يجب ان يكونه، كان ماهو عليه. لم تكن مرحلته العمرية ذات أهمية.. رجل مر عليه زمن الخوف على المصير. إستسلم لما يملكه من القدرة على المواضبة وإن بلا حماس، لم يكن متهورا وليس مجنونا. طموحا بعض الشئ. خائفا من او خائفا على. يائساً من حدوث تغييرما حوله وفوقه وتحته، لأن التغيير في حياته، في المرات التي مرت به، كان تغيرا فقط، لا تغيير فيه البتة! لم يكن صادقاً الى درجة الكذب والعكس ايضاً، كان من لايتسع له متسع ولا يدنو من روحه شفيع.. حالة الرجل الذي ليس لحاله حال! وهكذا قرر ان يكون في مركز حياته وليس خارج تلك الحياة.
فكر بتسلق أقرب شجرة، سيجدها بعد البحث عنها، كعادة الأشياء التي بحث عنها.. جذع في اسفله ثقب بفوهة كبيرة... نجح نجاحاً ادهشه وفاجأته قدرته على الصعود جائعاً، عطشاً، مريضاً.. كان الأنجاز الأروع من نوعه والأقرب الى نفسه في تلك الوهلة. ذلك نصف الشوط . النصف الثاني طبعا، هو النزول سالماً كما تسلق.
لم يتوهم انتهاء الأزمة، أزمة تصرفه كطفل يتمنى التواجد في الأعالي، يحلم بالوصول الى عش فوق الشجرة!
لم يعد البقاء في الغرفة او الباحة او اي مكان آخر بلا صور لوحوش مركبة مكررة أحياناً، او وحوش تأتي من شبكات لتصورات قديمة، كان لحد ما، قد اعتقد في بعض تلك الأحيان، بأن تلك الهياكل هي مجرد زيارات ذهنية، ليس من داعٍ اطلاقاَ للخشية والتوجس!
كانت الحواجز الخانقة والحوادث المتلاحقة مما يجعله لا مبالٍ لشتى الوقائع اللامتوقعة، وهكذا بدأ بالضحك العميق ليفيق من أعماقه الضاحكة بقدرة الضحك الرشاش والهادر، على صورة تتبادر متكررة تأتي خارجة من ذهنه وترحل متلاشية، ولا تتاح له فرصة تذكر تلك الصورة، كان ذلك ماعذبه مرارا، فالحالة أخذته الى التصديق الوهمي لهيئة فارغة ، أنطباعية كزمن وتجريدية كحدث، هيئة متناسلة لصورة تطيل زمن تراكض فراغات موحشة، تتلاشى، ويشعر بعدها بأنه ضحك من شئ كان يجب عليه عدم الضحك منه، أحس بذنب كبير وتأنيب ضمير هائل وخجل من نفسه وتمنى أن يطرح نفسه في النار! كيف له ان يضحك من وجه لم يعد يتذكر منه سوى هيئة اعتبارية مدفونة كما يدفن كنز في الغابة، في أعماق روحه.. أدار وجهه نحو الجهة اللآمحددة .. نزلت دمعة، وهكذا بكى !
تماسك ثانيةَ والأحرى تماسك للمرة بعد آلاف المرات، هنا فقط، ما كان يسد رمق حاجته الدائمة لشعور لا شعوري بالقوة! أخرج من جيبه ورقة نظرالى وجهها وطواها وحشرها حيث كانت ثانيةَ، رسالة التهديد تلك، كانت أهم رسالة تلقاها في حياته، فهي المرة الأولى التي عليه أن يموت بالتمام والكمال فيها، وليست كالمرات السابقة الباهتة مقارنةً بالتحديد الدقيق والموثق حول موت المرء، تلك اللحظات التي كرر الأعتقاد فيها بأنه نجا وتلك النجاة كانت فرصة ثانية أتت بطريقة جبارة لتصد الموت عنه. هذه المرة، الأمر مختلف، لقد حصل على ورقة تصف موته مباشرةً، سوف تخترق رصاصة مؤخرة رأسه، إن لم يرحل خلال ألأيام القادمة.. اخرج الرسالة ثانيةً، وقرأها ثانيةً وضحك ثانيةً ذلك الضحك الرشاش الهادر الذي تسمعه حتى الأحجار.. لم يصدق ما قرأ بعد أن قرأ في نهاية الرسالة بأن رأسه يطير! ضحك وهو يتخيل رأسه محلقاَ بلا أجنحة.. يا لغباء ذلك القاتل المجهول، أنه الشخص الذي لديه اقتراحين يؤديان الى نفس النتيجة، فهو بالتأكيد لا يعلم ما سيرتكبه على وجه الدقة، هل سيطلق رصاصة من فوهة ملصقة بمؤخرة رأس الرجل الذي ليس لحاله حال؟ أم سيضرب العنق بساطور القصاب؟! وإلا، ما تفسير ألأختلاف في ما ذكره في الجملة الأولى مقارنةً بالميلان الخشن نحو الأعلى لحروف الجملة الأخيرة؟
أعاد الرسالة الى محلها حيث كانت، وتوجه الى المكان الذي كانت ملصقة عليه، ليجد رسالة ثانية، ما أن قرأها حتى غصَ تلك الغصة المزدحمة عند خروج القهقهات الحرة عبر ممر ضيق! بالتأكيد كانت طريقة تنفيذ جديدة لأعدامه من قبل جلاد مجهول. أمسك طرف الورقة وحاول بومض ساخر تصليح الأخطاء والحروف الزاحفة، مثلا.. ( إزحل أو نموت ) .. (يا أبن ) .. ( يا أين الحزام ) ( يا كافور ) !
اخرج الورقة الأولى وأمسكها بيد بينما الورقة الجديدة بيده ألثانية من أجل عقد مقارنة. أولا، القلم مختلف، ثانياَ، الخط مختلف ، ثالثاً، الورقة كورقة لاتشبه أختها.على أية حال، الموت قريب وخلال أيام محدودة.
سمع وقع اقدام وهزات غريبة، توجه الى هناك، فتح جزء واحد من جزئي الباب الخارجي، رأى شخصا يلصق ورقة ثالثة على نفس حيز الورقتين السابقتين.. تعجب من وقاحة الرجل الذي لم يعد يؤدي طقوسه بسرية، بل بكامل الأعتداد والهدوء... ضحك بقوة الضحك الأبرزمن فواصل الضحك التي مرّت .. شعر براحة تشبه تلك الراحات الذهنية المشوشة المتراوحة بين الوهم اوالحلم او التذكر. أمسك طرف الورقة الثالثة وعاد الى مكانه ضاحكاً بضحك طويل لم ينقطع، فالرسالة كانت من كلمتين ( الدار للبيع) !
بولس آدم
لم يكن ما يجب ان يكونه، كان ماهو عليه. لم تكن مرحلته العمرية ذات أهمية.. رجل مر عليه زمن الخوف على المصير. إستسلم لما يملكه من القدرة على المواضبة وإن بلا حماس، لم يكن متهورا وليس مجنونا. طموحا بعض الشئ. خائفا من او خائفا على. يائساً من حدوث تغييرما حوله وفوقه وتحته، لأن التغيير في حياته، في المرات التي مرت به، كان تغيرا فقط، لا تغيير فيه البتة! لم يكن صادقاً الى درجة الكذب والعكس ايضاً، كان من لايتسع له متسع ولا يدنو من روحه شفيع.. حالة الرجل الذي ليس لحاله حال! وهكذا قرر ان يكون في مركز حياته وليس خارج تلك الحياة.
فكر بتسلق أقرب شجرة، سيجدها بعد البحث عنها، كعادة الأشياء التي بحث عنها.. جذع في اسفله ثقب بفوهة كبيرة... نجح نجاحاً ادهشه وفاجأته قدرته على الصعود جائعاً، عطشاً، مريضاً.. كان الأنجاز الأروع من نوعه والأقرب الى نفسه في تلك الوهلة. ذلك نصف الشوط . النصف الثاني طبعا، هو النزول سالماً كما تسلق.
لم يتوهم انتهاء الأزمة، أزمة تصرفه كطفل يتمنى التواجد في الأعالي، يحلم بالوصول الى عش فوق الشجرة!
لم يعد البقاء في الغرفة او الباحة او اي مكان آخر بلا صور لوحوش مركبة مكررة أحياناً، او وحوش تأتي من شبكات لتصورات قديمة، كان لحد ما، قد اعتقد في بعض تلك الأحيان، بأن تلك الهياكل هي مجرد زيارات ذهنية، ليس من داعٍ اطلاقاَ للخشية والتوجس!
كانت الحواجز الخانقة والحوادث المتلاحقة مما يجعله لا مبالٍ لشتى الوقائع اللامتوقعة، وهكذا بدأ بالضحك العميق ليفيق من أعماقه الضاحكة بقدرة الضحك الرشاش والهادر، على صورة تتبادر متكررة تأتي خارجة من ذهنه وترحل متلاشية، ولا تتاح له فرصة تذكر تلك الصورة، كان ذلك ماعذبه مرارا، فالحالة أخذته الى التصديق الوهمي لهيئة فارغة ، أنطباعية كزمن وتجريدية كحدث، هيئة متناسلة لصورة تطيل زمن تراكض فراغات موحشة، تتلاشى، ويشعر بعدها بأنه ضحك من شئ كان يجب عليه عدم الضحك منه، أحس بذنب كبير وتأنيب ضمير هائل وخجل من نفسه وتمنى أن يطرح نفسه في النار! كيف له ان يضحك من وجه لم يعد يتذكر منه سوى هيئة اعتبارية مدفونة كما يدفن كنز في الغابة، في أعماق روحه.. أدار وجهه نحو الجهة اللآمحددة .. نزلت دمعة، وهكذا بكى !
تماسك ثانيةَ والأحرى تماسك للمرة بعد آلاف المرات، هنا فقط، ما كان يسد رمق حاجته الدائمة لشعور لا شعوري بالقوة! أخرج من جيبه ورقة نظرالى وجهها وطواها وحشرها حيث كانت ثانيةَ، رسالة التهديد تلك، كانت أهم رسالة تلقاها في حياته، فهي المرة الأولى التي عليه أن يموت بالتمام والكمال فيها، وليست كالمرات السابقة الباهتة مقارنةً بالتحديد الدقيق والموثق حول موت المرء، تلك اللحظات التي كرر الأعتقاد فيها بأنه نجا وتلك النجاة كانت فرصة ثانية أتت بطريقة جبارة لتصد الموت عنه. هذه المرة، الأمر مختلف، لقد حصل على ورقة تصف موته مباشرةً، سوف تخترق رصاصة مؤخرة رأسه، إن لم يرحل خلال ألأيام القادمة.. اخرج الرسالة ثانيةً، وقرأها ثانيةً وضحك ثانيةً ذلك الضحك الرشاش الهادر الذي تسمعه حتى الأحجار.. لم يصدق ما قرأ بعد أن قرأ في نهاية الرسالة بأن رأسه يطير! ضحك وهو يتخيل رأسه محلقاَ بلا أجنحة.. يا لغباء ذلك القاتل المجهول، أنه الشخص الذي لديه اقتراحين يؤديان الى نفس النتيجة، فهو بالتأكيد لا يعلم ما سيرتكبه على وجه الدقة، هل سيطلق رصاصة من فوهة ملصقة بمؤخرة رأس الرجل الذي ليس لحاله حال؟ أم سيضرب العنق بساطور القصاب؟! وإلا، ما تفسير ألأختلاف في ما ذكره في الجملة الأولى مقارنةً بالميلان الخشن نحو الأعلى لحروف الجملة الأخيرة؟
أعاد الرسالة الى محلها حيث كانت، وتوجه الى المكان الذي كانت ملصقة عليه، ليجد رسالة ثانية، ما أن قرأها حتى غصَ تلك الغصة المزدحمة عند خروج القهقهات الحرة عبر ممر ضيق! بالتأكيد كانت طريقة تنفيذ جديدة لأعدامه من قبل جلاد مجهول. أمسك طرف الورقة وحاول بومض ساخر تصليح الأخطاء والحروف الزاحفة، مثلا.. ( إزحل أو نموت ) .. (يا أبن ) .. ( يا أين الحزام ) ( يا كافور ) !
اخرج الورقة الأولى وأمسكها بيد بينما الورقة الجديدة بيده ألثانية من أجل عقد مقارنة. أولا، القلم مختلف، ثانياَ، الخط مختلف ، ثالثاً، الورقة كورقة لاتشبه أختها.على أية حال، الموت قريب وخلال أيام محدودة.
سمع وقع اقدام وهزات غريبة، توجه الى هناك، فتح جزء واحد من جزئي الباب الخارجي، رأى شخصا يلصق ورقة ثالثة على نفس حيز الورقتين السابقتين.. تعجب من وقاحة الرجل الذي لم يعد يؤدي طقوسه بسرية، بل بكامل الأعتداد والهدوء... ضحك بقوة الضحك الأبرزمن فواصل الضحك التي مرّت .. شعر براحة تشبه تلك الراحات الذهنية المشوشة المتراوحة بين الوهم اوالحلم او التذكر. أمسك طرف الورقة الثالثة وعاد الى مكانه ضاحكاً بضحك طويل لم ينقطع، فالرسالة كانت من كلمتين ( الدار للبيع) !
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
و سلمت اناملك على الطرح المميز